كان الليل لا يزال يرخي سدوله على ولاية المزيونة، وحرس الحدود بالجيش السلطاني العماني يأمنون المنطقة الحدودية من مهربي المخدرات وتجار الأسلحة والمتسللين بطرق غير مشروعة.
في جنح الظلام وعلى مسافة بعيدة عن منفذ المزيونة، كانت سيارة تشق التضاريس بمهارة وإتقان، متسللة عبر الخط الفاصل بين الدولتين، قادمة من إقليم جار.
وتم تحديد الموقع، انطلقت أقرب قوة مسرعة نحو الهدف، وما أن رآهم سائق السيارة حتى ارتمى في أتون الصحراء، وقبل بمغامرة خطيرة لا تحمد عقباها قد تؤدي إلى مقتله، هنا حين يكون الموت رديفا للحياة، حياة العبثية حين لا يرى الإنسان في تصرفاته الحمقاء ما يخسره فيما لو تفحص بعين العقل عواقب ما يفعل، أبسط ما يمكن أن نصفه (بايعنها بايعنها).
لم يكترث للتنبيهات، بل أخذ يسلك طرقا وعرة، ولم يكن ليفلت من قبضة الجيش المتمرس في معرفة تضاريس المزيونة وتبعاتها من ميتان شمالا إلى ضلكوت جنوبا.
استسلم السائق أخيرا، لقد كان وحيدًا، لكن الأشياء الصغيرة قد يصدر عنها أعظم خطر، كان يحاول تهريب مواد مخدرة ومجموعة كبيرة من الأسلحة المحظورة.
صودرت المواد المضبوطة، وتم مصادرة المركبة باعتبارها أداة مستخدمة في الجريمة، وزُج به في السجن بعد صدور حكم الإدانة ليقضي سنوات فيه.
حقد، وضغينة، وخيبة أمل… أصيب بها ذلك الرجل وهو يقضي مدة العقوبة، كان يأمل بالثراء السريع بطرق غير مشروعة، من خلال جلب المخدرات وتجارة الأسلحة المحظورة.
عاش السنوات القليلة الماضية في دولة غربية، وكان قد تزوج من امرأة أجنبية قبل أن يعود إلى عُمان لينفذ ما خطط له في جمع أموال بطريقته الخاصة، ظنا منه أن بإمكانه تجاوز عقبة الأمن بدهائه وذكائه وبمهارات تعلمها في الخارج، وأن له الحق في ارتكاب الجرائم وخرق القوانين لكونه داهية وعبقريا .. هكذا كانت فكرته …!
قضى فترة السجن يفكر في الطريقة التي سيدبر بها الأمور، خطط لارتكاب جريمة يحقق من ورائها منفعة، وفي الوقت ذاته يشفي بها حقده على المجتمع أو الدولة.
في اليوم الأول له في السجن حاول فرض سيطرته، كان التصنع واضحا عليه، يحاول تقليد بعض الحركات التي يمكن للمرء مشاهدتها في أفلام السينما، لكنه انصدم بنزلاء لا هَمّ لهم سوى الأحاديث والضحك كأنهم أسرة واحدة، بل ويحرصون على أداء الصلوات الخمس في أوقاتها، وكلما حاول تشكيل حزب، بهدف الفتنة والاستمتاع، يتفاجئ بوصول أخباره تفصيلا إلى مدير السجن، فيتم استدعائه لتنبيهه.
كان يرفض قص شعره أو تشذيب لحيته في كل مرة يحين فيها موعد الحلاقة، ولا يتم ذلك إلا بعد عقاب يجبره على الامتثال إلى الأوامر بتقصير شعره 2 بوصة.
ذاع صيته بين المساجين والحراس، وقد نال ما كان يبحث عنه من الشهرة بواسطة التمرد على الأوامر وافتعال المشكلات مع النزلاء الآخرين، وكان يطوي أكمام قميصه كي تبين أوتار عضلاته السميكة ورسمة بدت كوشم على ظاهر عضلة يده اليسرى، وقد حصل عليها من أحد النزلاء الذي تعلم فن الرسم داخل السجن.
كان ينعم برفقة صديقين يناديهما بأسماء أجنبية، أحدهما يقضي حكما بالسجن المطلق في جناية قتل، والآخر في جناية هتك عرض، وكان كل منهم يتفاخر باستعراض ما فعله خارج السجن، وإذا تحدثوا فإنهم يتكلمون جميعا في الوقت ذاته، لقد كانوا فارغين لدرجة أن ريحا ستطيرهم لو اجتمعوا خارج أسوار السجن!
بعد انقضاء مدة العقوبة خرج أخيرًا من السجن، وكانت إدارة السجن قد تدرجت في تخفيف القيود عليه، مع منحه بعض المزايا، تمهيدا للإفراج عنه وتسيير ادماجه في المجتمع، وهي مرحلة انتقالية تسبق الإفراج لمن تزيد مدة بقائهم في السجن على أربع سنوات.
وبعد شهرين توجه إلى الجهات المختصة مطالبا باستعادة سيارته التي صادرتها الدولة بحكم قضائي، لكن تم رفض طلبه على اعتبار الحكم حائزا لقوة الشيء المقضي فيه، لكنه تعنت وأخذ يكرر الطلب بتردده على عدة جهات من دون جدوى.
ثم بدأ الشروع في تنفيذ خطته، ظل يبحث عن أماكن الحراسة غير المشددة، يقوم بزيارات خاطفة أو يراقب المكان من بعيد، وبدت كل الأماكن صعبة عليها حراس أشداء ويستحيل اختراقها.
بعد أشهر اتصل بصهره الأجنبي شقيق زوجته، وطلب منه المجيء إلى السلطنة حالًا، فلديه أشياء لا يمكن تفويتها، أهمها المال، ولم يكن صهره يكذب خبرا كهذا فبالكاد سمع كلمة المال حتى رد بالموافقة.
تعامدت الشمس في كبد السماء مسلطة أشعتها على المزارعين العائدين للتو بقفرانهم في موسم القيظ، وعلى ممر طويل ومتعرج يشق بساتين النخيل، كان الأب يحمل حبل الطلوع على كتفه ويتقدم حمالي قفران الرطب ليشق لهم الطريق.
يظهر من بين الحمالين ابنه الأصغر ذو السابعة عشر من عمره، صاحب النكتة والروح المرحة، ولا يكف عن إطلاق النكات على المتقاعسين، لذلك يحرص الجميع على عدم المشي أمامه، ويطلبون منه التقدم خلف والده مباشرة، ومع ذلك لم يكن ليتوقف عن الالتفات إلى الخلف والبحث عنهم أثناء المشي فيغتنم فرصته برؤية رؤوس دخل معظمها في قاعدة الفقير: ” خبروا المكسيكي يرفع قفيره لا نقوم نرقط رطبه طول الدرب ”
يضحك الجميع، فلديه اسلوب ساخر لا يقاوم.
بعد يوم شاق توقف الجميع عند شريعة الفلج، حطوا قفرانهم على جدار ساقية الفلج، واستلقى بعضهم على الساقية، واكتفى الأب بالاغتسال وتناول فنجان قهوة مع بعض حبات الرطب.
من بعيد يظهر شاب يمشي باتجاههم، كان نحيف البنية مسمر البشرة، يقترب بسرعة، خطواته متباعدة، تشبه خطوات الجنود في انضباطها، الابتسامة لا تفارق وجهه، يقفز الابن الصغير فجأة من الساقية ويركض نحو الشاب القادم. إنه اخي، إنه أخي!
عاد الابن الأكبر بعد غياب أشهر طويلة في التدريب بعد التحاقه بالجيش، ولا يمكن وصفُ الفرحة الطاغية التي ارتسمت على سيماء وجه والده الذي ظل يعانقُ ابنه العائد ويضمه إلى صدره.
كان الأب لا يمل من سماع القصص الطويلة التي يرويها ابنه عن أشهر التدريب، قصص ضجر منها أصحابه لكثرة ما يكررها لهم، لكن الأب والأم كانا مصرين على سماعها مئات المرات، خاصة وأن ذلك كان يشعر ابنهم بالسعادة.
عاد الابن إلى العمل، انتهت فترة التدريب، واستقر في مكان محدد بمعسكر تابع للجيش في العاصمة مسقط، وداوم على الرجوع إلى البلدة في عطلة نهاية الأسبوع لعدة سنوات، وانتهى به المطاف للعمل في حراسة منشأة قيد الإنشاء تابعة للجيش عبارة عن مخزن للأسلحة، يتوزع وقت حراسته حسب الأوامر، فمنهم من يحرس وقت النهار ومنهم يسهر الليل.
وصل الصهر أخيرا، واستقبله في مطار صلالة، ثم توجها مباشرة نحو شقته، تركه لينام ويستريح من مشقة رحلة السفر الطويلة.
خرج لتزجية الوقت في التنقل بين أماكن الحراسة، يراقب الأوضاع، يدون مواعيد تبديل وردية الحرس، يكتب تقريره النهائي ثم يضم الورقة إلى ملف التقارير السابقة.
عند المساء عاد إلى الشقة يحمل معه أكياس الطعام وعلب البيرة وصندوق سجائر.
تناولا العشاء معا، وأخبره بحماس وغرور عن السطوة التي فرضها في السجن، وكيف كانوا ينظرون إليه كملك عليهم، وصف له حجم المتعة اللامتناهي عندما يتمتع المرء بالسلطة ويحترمه الجميع لمجرد الخوف منه، كان الصهر مندهشا مما يسمع ومسرورا به، يعانقه تارة وتارة يقرع على كأسه ثم يشرب ما فيها على صحته.
يطرق باب الشقة للمرة السابعة، هذه المرة قرر عدم فتح الباب والتنازل عن كبريائه بتخفيض صخب الموسيقى التي أقلقت راحة الجار وحرمته من النوم، فعل ذلك وهو يكيل لجاره كل أنواع الشتائم باللغة الإنجليزية ليستعرض هيبته أمام صهره.
وسط زخم ونشوة أحداث الليلة وما تلاها من ليال، ومع تجدد الانسجام بينهما، قرر أن يصطحبه في جولة إلى مركز المدينة لمعاينة مواقع البنوك، طلب منه المشاهدة فقط بدون أي تعليق،
وأخذ يتنقل من موقع إلى آخر بعد أن حفظ طرق المدينة جيدا.
الصهر لم يكن غبيا، هو يعلم النزعة الإجرامية لدى زوج شقيقته، وكان هذا ما يعجبه فيه، ومع ذلك تظاهر بعدم الفهم واستمر في مجاراته.
– هل هذه الأموال التي وعدتني بها يا صديقي.. سرقة بنوك! ؟.
– لا تستعجل إذا كنت تريد الملايين فهنا يمكننا فعلها والهرب بها إلى مكان مجهول.
– هذا صعب جدا، ولو فرضنا فعل ذلك لا يمكننا الهروب بسهولة، وكيف يمكننا الهروب بالملايين.
– إذا كان هذا ما يقلقك فقط، لا تقلق سنرتب كل شيء.
– حسنا، ما الذي تنوي فعله؟.
لقد كانت خطة إقناع الصهر هي جزء من الخطة الكبيرة، وبات الآن من الضروري أيضا حول إقناعه بتوفير سلاح لإتمام عملية السرقة، كي يشفي غليله وينتقم ممن كانوا سببا في القبض عليه ومصادرة الأسلحة والمخدرات وسيارته.
لم يعد الصهر يرى أمامه سوى الملايين، فقد نجحت محاولاته في إقناعه بسهولة تنفيذ الخطة التي اقتضت ضرورة التخلص من حراس مخزن أسلحة والاستيلاء عليها، فالسلاح المطلوب لا يوجد إلا في هذه الأماكن.
وعبثا ذهبت كل المحاولات أمام الحراسات المشددة، فلم يكن ليجرؤ حتى على الاقتراب، اكتفى بالمراقبة من أماكن بعيدة ومتنوعة، وفي ظل هذه الظروف بدأ الصهر يشعر بالتراجع، فما كان منه إلا تدارك الأمر وتحويل وجهة التنفيذ إلى مقرات أخرى، جمعا أغراضهما وانطلقا متجهين نحو مسقط.
بابتسامة هادئة، تأمل الأب ملامح ابنه الأكبر الذي حرص على العودة إلى البلدة في منتصف الأسبوع، وملازمة الأسرة في تناول وجبة إفطار أول يوم من أيام شهر رمضان، هي لحظة لا مثيل لها، وتحرص عليها معظم العوائل.
جلسوا معا بعد صلاة المغرب، يتحدثون عن الصيام، وعن عمر الابن الاكبر عندما صام رمضان كاملا للمرة الأولى، وهذا ما عجز عنه الشقيق الأصغر، حيث علق الأب على ذلك:” ربما مجيء رمضان في الشتاء ساعدك على ذلك، على عكس شقيقك الذي أدرك رمضان في الصيف عندما كان في ذلك العمر “. ابتسموا جميعًا. تبادلوا أطراف الحنين ومع الذاكرة عن حكايات قديمة.
كان الابن الأكبر هو المعيل الوحيد، وهو الابن الذي يجسد طموحات الأب التي حُلم بها في شبابه، أرادها أن تتحقق في شخصية ابنه، رآه رجلا منذ نعومة اظفاره، وقد كان كذلك، إضافة إلى ما كان يتمتع به الابن من شخصية مستقبلة ذات همة عالية، وبروح معنوية عالية، وصحته جيّدة.
قضى الليل مع أفراد أسرته، وعاد قرابة الفجر إلى العاصمة، ثم اتجه إلى عمله لاستلام ورديته.
شعر الصهر بندم شديد عندما طاوع زوج شقيقته بالانتقال إلى العاصمة عن طريق البر، كان يشعر بالإرهاق والتعب، فقد استقلا سيارة GMC من طراز قديم، وتجاوزت درجة الحرارة الخمسين، ورغم صوت هدير المكيف، إلا أنه لا يبرد بالشكل المطلوب، مع الوقوف أحيانًا والانتظار طويلًا حتى تنخفض حرارة مبرد السيارة، قبل أن يملآنه بالماء في كل مرة، وقد كان عليهما قطع مسافة تزيد على 800 كيلومتر نحو الشمال.
– إذا كنت تعرف أن هذا ما سيحدث لنا، لماذا لم نُسافر على الطائرة؟ انت معتاد على هذه الظروف وأنا سأموت في الحال!
– نحتاج إلى هذه السيارة ولا نستطيع الحصول على غيرها هناك، الا اذا قمنا بسرقة واحدة، وهذا سيخلق لنا مشكلات صغيرة تعيق الوصول إلى الأهداف الكبيرة.
– اووو.. لقد اقنعتني!، إذا كنت تعتقد ذلك كان يمكنني ركوب الطائرة وألتقيك في مسقط.
– حسنا يمكنني العودة إلى صلالة، واحجز لك تذكرة، لكن سأخصم من حصتك ويكون لك الربع فقط، ويمكنك أن تتصفح Google Maps لتعرف المسافة المقطوعة، نحن بالقرب من هيماء أي في منتصف الطريق.
– دائما لديك تبرير لكل شيء، على الأقل كان عليك الخروج في الليل.. اووه لا أعلم لماذا على المضي قدما معك.
– كف عن التذمر، وهيا انزل لرفع غطاء المحرك لقد ارتفعت الحرارة مرة أخرى.
وصلا في وقت متأخر من الليل، وكان قد استأجر شقة بعد خروجه من السجن في ولاية بركا، كان المكان في حالة يرثى لها، غبار على الأسطح، قطع أثاث موزعة عشوائيا، ملابس داخلية في أماكن متفرقة، علبة واقي ذكوري على طرف السرير، أكياس قمامة تحوي بقايا طعام تنبعث منها رائحة كريهة تعم المكان… وكل ذلك لم يمنع الصهر أن ينكب على وجهه وينام حتى عصر اليوم التالي.
يجلس على الشرفة المطلة على الشارع، يرتشف الشاي ويمج سيجارته، ثم ينفث الدخان بعيدا بطريقة تعبر عن حالة توتر، كانت الطرقات تعج بالسيارات المسرعة، الجميع على عجل، فقد اقترب موعد الإفطار.
كان الصهر لايزال مستلقيا على السرير، يتصفح هاتفه المحمول، يشاهد مقاطع فيديو لعمليات سطو مسلح، يبدو أنه معجب بأفلام الأكشن، أو ربما أراد إنهاء العملية على عجل ليغادر بالمال الوفير مبتعدا عن أجواء الخليج الحارة.
انضم إليه في الشرفة، كانت لدى الصهر أسئلة تتعلق بالأمن والحراسات، وكما جرت العادة يفلح في إقناعه حول إمكانية اختراق الوحدات الأمنية، ويبرز له ثغرات أمنية يمكن تجاوزها، ربما اقتنع الصهر لأسباب تعود إلى قوة الإقناع أو ربما أراد الصهر سماع ذلك.
اقتضت الخطة على المراقبة طيلة أسبوع، الذهاب إلى مسقط والعودة في اليوم ذاته، تنفيذ خطة الاستيلاء على السلاح ولو كلف ذلك قتل حارس، وقت الإفطار أو وقت السحور هي الأوقات المفضلة للتنفيذ.
يتناوب الحراس الورديات حسب أوامر المسؤول، فمنهم من له وردية النهار ومنهم يحرس في وردية الليل، وكان الابن الأكبر يحرس ليلا رفقة زميله، كان الحارسان يذرعان الساحة بهدوء روحة وجيئة، وهما يتسامران ويحمل كل منهما سلاحه الخاص.
وعلى مسافة بعيدة تقف سيارة GMC، يجلس فيها شخصان يراقبان حركة الحراس بصبر لا ينفد.
بعد منتصف الليل ترك أحد الحراس الموقع لظرف ما، راقبا ابتعاده، كانت فرصة سانحة لا يمكن تفويتها، نزلا بتخفي، يحثان الخطى، اقترب الصهر من الحارس يتظاهر بالضياع ويسأل عن منطقة يقصدها، اجتهد الشاب في محاولة فهم لغته، وفي لحظة خاطفة باغته الآخر وجز عنقه، ثم أخذا السلاح وهربا متخذين الظلام ستار لهما.
باشرت فرق التحريات والمباحث الجنائية البحث عن المتهم وتحديد هويته، واتخذت إجراءات أمنية مشددة.
كان الأب يستقبل المعزين، مفجوعٌ بمقتل ابنه، يبحث عنه في عيون الجميع، في سماع ذكر اسمه، كان يأمل أن يكذب أحدهم خبر موته، تمضي الأيام الثلاثة ومازالت الصدمة لم تلقِ بثقلها، بدأ الفقد بدأ الفقد النتن تنبعث منه رائحة النكبة وأشياء تشي بالحزن / الموت/ اليتم/ الثكل… وأشياء يعتصرها القلب، تحتاجه الذكريات من الداخل وتسحقه، خارت قواه وظل ممددا على فراشه، عيناه غارقتان في الدموع، ولم تطل به الحياة أكثر من شهر حتى فاضت روحه كمداً على فراق ابنه.
بعد مدة على الحادثة وردت برقية عن إطلاق النار على دورية تابعة للشرطة من قبل شخص مجهول، ومازالت التحريات جارية، تبين فيما بعد أن الرصاص يعود إلى السلاح المسروق.
بعد يومين مباشرة ورد بلاغ عن سطو مسلح وسرقة بنك، واستولى الجناة على مبالغ مالية كبيرة، وبعد جمع الاستدلالات وسماع أقوال موظفي البنك والشهود، اتضح بأنه السلاح ذاته أيضا دون تحديد هوية الجناة الملثمين.
كثفت فرق التحريات من عملياتها، وفي أقل من 24 ساعة اقتحموا الشقة، وجدوا الصهر يَعُد المبالغ، والمشتبه به الأول لم يكن في الموقع، وجدوا السلاح والسكين، وأدوات استعملت في عملية السطو.
قبض على المشتبه به الأول ودلهم عليه الصهر.
اقتيدوا إلى المحاكمة، طالب الادعاء العام بإنزال عقوبة الإعدام بحق المتهمين، دفع محامي المتهم الأول ببراءة موكله لعدم مسؤوليته عن تصرفاته، كون موكله يعاني من اضطرابات عقلية، وطالب بعرض موكله على لجنة طبية مختصة بمستشفى المسرة.
استجابت المحكمة للدفع الجوهري، وأمرت بإحالة المتهم الأول إلى اللجنة الطبية، لكن التقرير جاء مؤكدا سلامته وأنه لا يعاني من أية اضطرابات عقلية.
قررت المحكمة إغلاق باب المرافعة وحجز الدعوى للحكم بعد أسبوعين.
بمضي أسبوعين كان الحضور في حالة ترقب، ولي الدم (الابن الأصغر) يجلس في القاعة، لم يستطع السيطرة على نفسه، كان يبكي بحرقة وهو يستمع لتفاصيل الجريمة، ورغم ذلك حرص على الحضور كل جلسات المحاكمة وجلسة النطق بالحكم.
دخل رئيس الجلسة والاعضاء القضاة، وقف الجميع يردون التحية في مشهد مهيب.
نودي على المتهمين، زج بهما في قفص الاتهام، كان يرتجف من شدة الخوف، والصهر يقف بجانبه يراقب ملامح وجه صاحبه ليفهم الحكم.
” الدعوى رقم… جنايات والمتهمين. حكمت المحكمة حضوريا بإدانة المتهمين بالجناية المسندة إليهما وقضت بمعاقبتهما بالإعدام “
المحامي محمد بن سعيد بن أحمد المعمري
شركة المعمري والسعيدي محامون ومستشارون في القانون
Comments